تكاد مشاهد الأفلام التي أمر عليها فتعلق في ذاكرتي وأحفظها عن ظهر قلب لا تُحصى من كثرتها.. ولعل عادتي في إعادة الحوارات التي تعجبني مرارًا وتكرارًا قد بنَتْ مكانًا في ذاكرتي يمتلئ بأحاديث الأفلام وشخصياتها.. وما إن ألج إلى هذا المكان، حتى تراودني عشرات المشاهد والحوارات التي تأثرت بها حتى أصبح عندي نوع من الوعي السينمائي.. وأنا لا أعني بذلك وعيي بتفاصيل هذه المشاهد من ناحية سينمائية، بل أعني أنه قد تكوَّن عندي الكثير من القناعات التي أستطيع إرجاعها مباشرة لمشاهد الأفلام التي بنتها عندي..
في فيلم The Shawshank Redemption، أندي كتب لريد رسالة ليقرأها الأخير بعد خروجه من السجن، وكان يقول فيها:
تذكر يا ريد، الأمل شيء جيد، ربما يكون أفضل الأشياء.. والأشياء الجيدة لا تموت..
مشهد ريد وهو يقرأ رسالة أندي متكئًا على ما يبدو أنه جدار حجري قصير بعد أربعين سنة من عمره قضاها بين جدران السجن العالية كان ولا زال يدفعني لأُجرجر خطاي وأُكمل المشي..
الأمل شيء جيد والأشياء الجيدة لا تموت.. حتى في أحلك اللحظات وأشدها بأسًا.. الأمل شيء جيد.. في منتصف الطريق، بعد أن قطعت الكثير الذي تشق معه العودة وأرهقَت قدماك وعورة الأرض وقسوتها.. الأمل شيء جيد.. في ليلك الطويل الذي تبتلعك فيه الأفكار وتنهش روحك فيه نوائب الدهر وعثرات الحظ.. الأمل شيء جيد.. عندما تنظر حولك باحثًا عن كتفٍ لتسند عليها رأسك المُثقل من كل معاركك فلا تجد أحدًا.. الأمل شيء جيد.. حتى عندما يختفي الضوء الذي كنت تقصده في آخر النفق.. تحسس الجدار وامشِ معه.. سيقودك إلى مصدر النور على أي حال، لعلك تراه مُجدّدًا إذا وصلت.. فالأمل شيء جيد..
هكذا دواليك حتى أجدني مقبلًا على أيامي بهذا الأمل، الذي هو -على الأقل كما يدّعي أندي- ربما يكون أفضل الأشياء..
إلا أن إقبالي على هذه الحياة يتأرجح بين رسالة أندي وحديث جون لضابط السجن بول من فيلم The Green Mile قبل ليلةٍ من إعدامه..عندما عرض الأخير على جون أن يتركه ليهرب فرفض جون العرض قائلًا “أريد من كل هذا أن ينتهي” ليُكمل بعدها مُغالبًا تعبه:
أنا متعب يا سيدي، متعب من كوني وحيدًا في الطريق كعصفور في المطر، متعب من عدم وجود رفيق أكون معه، ليخبرني أين نذهب؟ من أين نأتي؟ ولماذا؟ في الغالب تعبت من البشر ومن كونهم قبيحين مع بعضهم. تعبت من كل الآلام التي أشعر بها وأسمع عنها في العالم كل يوم، هناك الكثير منها، إنها كقطع الزجاج في رأسي طوال الوقت، هل تستطيع أن تفهمني؟
وأنا متعب مثلك يا جون.. متعب لكل ما ذكرت وما لم تذكر..
مُتعبٌ عن كل المظلومين الذين تمتلئ بهم الأرض ولا أملك لدفع الظلم عنهم شيئًا..
مُتعبٌ عن كل الفقراء الذين لم تُعطهم الحياة كما أعطتني.. وسقف آمالهم أن يعودوا بعد كدهم في كل يوم برغيف خبزٍ يدفعون به الجوع عن أنفسهم وذويهم..
مُتعبٌ عن الغلابة والمساكين والمهجّرين والمنبوذين والمستضعفين وغيرهم ممن يجلدهم الدهر بسوطه ليلًا ونهارًا ولا يملكون دفعًا عن أنفسهم إلا العبرات التي يرسلونها من وراء الحجب وخلف الأبواب.. وبطبيعة الحال مُتعبٌ لكوني وحيدًا في الطريق.. كعصفورٍ في المطر.. مثلك..
العالم مكان مليئ بالألم يا جون.. وما لم تتجاهله وتدر وجهك عنه كأنك مسخ لا يحزنك أمر هؤلاء البشر؛ تَعِشْ حياتك كلها مغالبًا دموعك عندما تسمع أخبارهم أو تراهم على أرصفة الطرقات ومن وراء الشاشات..
إلا أنك يا جون مُفارقٌ تعبك في موعد تعلمه فيُسلّيك هذا عنه.. أما أنا فمصاحبٌ تعبي إلى موعدٍ لا أعلمه فلا يسليني عنه شيء.. هل تستطيع أن تفهمني؟
ما بين أمل أندي وتعب جون، أُقبل على الحياة وأُدبر.. ولا أصالحها ساعةً حتى أخاصمها ساعةً أُخرى..
كعصفور.. في المطر.. يصحو الجو قليلًا فيطير ويتغنى بحلاوته.. ويعصِفُ مرةً أخرى فيعود وحيدًا..
.
.
.

حرام يكون مسموح like واحد فقط لتدوينة كهذه
إعجابLiked by 1 person