
وقفتُ يعمدني صلفُ الجحود، و يقوّضني خجل المتَّهم، تنهض بي إليكَ لذعة الشَّوق، و تقعد بي عنك جائحة المَوْق.. أتيتُك يأكلني حيائي من طول مدافعتي لعفوك، و هربي منك، و علمي ألّا ملجأ منك إلا إليك.. جئتك مجرجرًا خلفي من الخطايا ما لا يُرى آخره، ما لي من حُسن العمل إلا حُبك والخوف منك. وقفت بين يديك تتنازعني رهبة المُذنب وشوقُ المُحب، أتلعثم إذ أحدثك، وتسقط عني فصاحتي إذ أدعوك، فتُريق من طمأنينتك على قلبي آذِنًا له بمناجاتك.. جئتك بقلب مزقه الفقد، وأبلاه الهم، وأنت جابر القلوب، و فارج الكروب، من يُقصَدُ غيرك إذا ضاقت الحِيَل، و عزَّ المُنجِد، و غلّقتْ الملوك أبوابها؟ ربّي إنّك تعلم أنّ حيائي من فادح جُرمي في جنابك يقرّض جنبي، و ما زلتَ تُنعم عليَّ وترعى. هذا إحسانك للمقرّ بجرمه، الغارق في غيّه، فكيف بمن أناب وأحسن؟ ربّي إنّي ساقني إليك ثقتي بكرمك، وطمعي في عفوك، فأشهدني راحة غفرانك وأذقني حلاوة مناجاتك. من ذا الذي ذاق حلاوة مناجاتك فرامَ منك بدلًا؟ بل من ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حِولًا؟ سبحانك ربي ما أطيب ذكرك! وأبرد عفوك! وأوسع حلمك! وألطفَ تقديرَك! نأتيك بملء الأرض خطايا فتغفر ولا تبالي، ولا يصبر العاقل منّا على يسير قضائك، وبالغ حكمتك، تعفو عن العاتي و أنت قادر، و تفرح بعودة الضال وأنت غنيٌّ، فلا ندري بأي وجهٍ نقفُ بين يديك، والأمر كلّه إليك، والسرُّ لا يخفى عليك.. يا مطّلعًا على قلوب العباد، هذا قلبي الصغير، مملوءٌ بمحمّد، و حبّ محمّد، و ذكر محمّد، فاشفع لي بحبّي لحبيبك محمّد، لا أجد جزاءً على المحبة عند غيرك.. سيّدي هذا تلعثمي بين يديك.. لي من الحاجات ما لا يعلمها إلاك، وأنت منتهى السول وطلبة العارفين..
