كي لا يستفرد الندم بروحك

انتهيت للتو من واحدٍ من أعظم الأعمال التلفريونية التي شاهدتها في حياتي: Better Call Saul. لست هنا لأتحدث عما يجعل هذا عملًا عظيمًا في رأيي، ولا لأشيد بالتصوير والشخصيات وتطورها والنهاية العبقرية، وإنما أنا هنا لأعيد طرح سؤالٍ ما زال بي منذ اللحظة الأولى التي سمعته بها إلى لحظة كتابة هذه السطور: What are your regrets؟ وها هو الآن يحملني لأجلس أمام ورقةٍ بيضاء لم أعرف لكتابةِ سطرٍ واحد فيها سبيلًا منذ ما كتبت عن ليلة التخرج تلك.

كان سول “Saul” يطرح السؤال what are your regrets؟ بطريقة مختلفة قليلًا، ويسأل عما إذا كنت ستغير شيئًا ما في الماضي لو حُزت على آلة زمن، ولكنني آثرت أن أستفرد مع هذه الصفحة البيضاء -ومعك قارئي الكريم- بالصيغة المباشرة لسؤاله: what are your regrets؟

أظن أن ولعي بهذا السؤال أقدم من سؤال سول بكثير؛ وأظن أن منشأه كان اعترافات الناس التي يَقدرُ تساؤل كهذا أن ينتزعها. ليس على المرء إلا أن يكون مستمعًا جيدًا، أن يصغي بصدق، وأن يسأل الأسئلة الصحيحة في الوقت الصحيح.

لن أنسى جواب أحد الأصدقاء العابرين الذين تعرفت عليهم في نقاش كتابٍ في عمان عندما ألقيت عليه هذا التساؤل مازحًا، ليجيبني بقصة ستعلق في خاطري بعدها طويلًا:

كنت شب صايع ضايع زي ما بحكو، مكنتش أخاف اشي وما في حد في الدنيا كلها عامله قيمة أو بسأل عنه، وزي أي شب صايع بالتوجيهي كنت أحاول أحكي مع البنات وألاحق فيهن بالشوارع والمولات. وطبعا زي ما إنت شايف محسوبك الله عاطيه طول وعرض وعيون ملونة و شعر أشقر، يعني فل باكيج للصياعة واللعب بقلوب الخلق. مالك بطول السيرة، بيوم من الأيام حطيت عيني على بنت من عمارة قريبة علينا. كنت وقتها رايح أشتري دخان من دكان بعيدة شوي لأني حجيب عحالي أسئلة كثيرة لو اشتريت باكيت من دكانتنا القريبة. اللي بتذكره وقتها إني دخلت الدكان وطلعت وأنا مش عارف ليش اجيت هون وشو كان بدي وشو قاعد بسوي، كل اللي كنت أفكر فيه وقتها مين هاي البنت اللي شفتها بالدكان وكيف بدي أوصللها. خليني هيك اعطيك تعليق عابر عالسريع، الواحد لما بكون غبي بكون صعب عليه يؤذي الناس، صدقني زي ما بحكيلك، انت لازم تخاف أكثر شي من الناس اللي الله عاطيهم مخ، هذول ممكن يكونو ولاد حرام مصفايين وفعلا يؤذوك لفترة طويلة. وإذا اجتمع المخ والشكل الكويس وقلب ما بيخاف الله في شخص ما، هون يا صديقي انفض إيديك واهرب، اركض في الجهة الثانية، ابعد عن كل اشي اله علاقة بهيك شخص، لأنه والله لو في شياطين من الإنس فهذول هم شياطين الإنس بلا منازع. بزكرإني مرة سمعت مقولة للشعراوي ولا مش عارف لمين والله ماني فاكر، المهم إنه كان بقول إنه أحيانا الله بياخذ منك اشي عشان يحميك وعشان ما تستخدمه بمعصيته، ما عمري فهمت هاي الجملة إلا هلأ.. صدقني لو الله خلق واحد قبيح ممكن يكون خير اله لأنه لو كان وسيم وحليوة كان ممكن يجذب عليه عيون البنات اللي بخافوش الله ويوقع بيوم من الأيام.. ونفس الاشي لو الله خلق واحد مش ذكي كتير وعلى نياته، صدقني إنه الله دفع عنه كتير شر بيجي من الزكا والخبث والدهاء.. وقيس على هالقاعدة كتير شغلات بحياتك.. حقيقة يعني الله بياخذش وبيعطيش إلا بحكمة..

وين وقفت؟ اه بنت الدكان.. ما بزكر بصراحة شو سويت بعدها، بعد ما طلعت من الدكان قصدي، لأني وحياة الله بعمري ما حسيت إنه حياتي كلها صار الها معنى، ههههههه اه اضحك اضحك ما حتفهم حكيي لحتى تطلعلك شي وحدة وفجأة عيونك ما تشوف الدنيا ملونة وحلوة إلا معاها وحواليها.. المهم رجعت هذاك اليوم للبيت وأنا قاعد بفكر بخطة أعرف مين هاي البنت، ولأنه محسوبك كان عقله مش معه، ما فكرت حتى أشوف هي وين راحت أو على أي عمارة رجعت.. المشكلة إنه بعمري ما شفتها بالحارة، وصرت أحكي لحالي ولك بركدن هاي جاية من السعودية ولا أبصر من وين وعم تزور حدا! الفكرة هاي اجت عبالي من هون، وخف عقلي من هون.. هسا هيك الأميرة المنتظرة تيجي وتروح وبدون حتى ما أعرف اسمها، لا والله بصيرش هالحكي.. ضبيت حالي ورجعت عنفس الدكان، وسألت الشغيل اللي فيه لو بيعرف البنت وما قلي اشي.. بصراحة أنا لو مكانه ما بقولي اشي هههههه يزم والله الصياعة بتشر مني شر وين بده يحكيلي عن بنت الناس كلمة وحدة! طلعت هيك وقعدت ألف بمخي أدور على طريقة ألاقيها فيها، قعدت على الرصيف قدام الدكان وصرت أفكر، بس لو أقدر أعرف أي اشي عنها وأنطلق من هناك، تخيل صرت أدعي وقتها إنه الله يلقيني اياها ههههههه جد بحكيلك والله صرت أدعي إنه الله يلقيني فيها وما حعمل أي اشي غلط، كله بما يرضي الله ومن هالحكي، وقتها كان صرلي يومين بس مترك أنا وصبية معنا بالمدرسة لأنه شفت شب بيطلع عليها وهي بتطلع عليه، اه زي ما بحكيلك بس عشان هيك، وقلتلها إنه أنا بدي وحدة تصون حالها وبعتها كم جملة من هدول وكل واحد فينا مشي بطريق.. وهيني بعد يومين بس من البريك أب القاسي هاد بوقع بالحب، بس هالمرة غير والله غير، كنت حاسس إنه هاي فرصتي أتغير.. فرصتي أحط عقلي براسي وأدرس منيح للتوجيهي وأدخل كلية محترمة وأرفع راس الشيبة اللي جبتله ضغط وسكر من كتر مشاكلي.. ياما كان يقولي إنه ضيعوني ولاد الحرام وإني كنت شاطر وبصلي كل وقت بوقته.. ياما فقت بالليل وأنا بسمعه بيبكي عسجادته.. كنت أحيانًا أحكي لحالي إنه بيبكي على إمي الله يرحمها، بس لا، كان بيبكي عشاني، أو يمكن بسببي حتى.. لولا إنه خالي مش اسم كبير بالشرطة كان بالأقلية أنا بالسجن سنتين تلات هيك.. بس زي ما حكيتلك، أحيانا الله بيعطيك عشان يبتليك بده يشوف كيف حتعمل، انت مفكر كنت أعمل اللي أعمله وأنا خايف من العواقب؟ ليش يخوي أخاف والخال مكالمة من غرفة نومه بتطلعني من أكبر مصيبة أنا فيها؟! شايف علي كيف، كل اشي الله منعم فيه علي كنت بستخدمه هيك.. نرجع لبنت الدكان، من هون لهون أقلب بمخي كيف ألاقيها، اطلعت فوقي شفت الكاميرا تاعت الدكان، ووقتها كأنه في ضو هيك اشتغل فوق راسي.. رجعت لجوا وقلتله للشب بدي أشوف الشريط.. هيك بدون أي مقدمات ولا أي أسباب واضحة، طبعا قالي اقلب وجهك فش شريط وفش اشي تشوفه عنا، حطيت ايدي بجيبي وكان معي تسعين دينار.. هدول قد راتبه يمكن، حطيتهم عالطاولة قدامه وقلتله الشريط وزدت عليها إنه ورحمة تراب إمي مش حجيب سيرة لحدا، الشب قعد يطل علي هيك زي كأنه بيسأل حاله شو بدي اعمل معه هاد، قلي ما حاخد منك اشي بس بدك تقلي ليش بدك تشوف الشريط.. لما سمعت سؤاله هاد بتعرف شو اجا عبالي؟ حديث سيدنا النبي صلوات الله وسلامه عليه إنه لو الكذب بنجيك فالصدق بنجيك أكثر أو كما قال.. تخيل يا زلمة إني بصلي الجمعة بس عشان الشيبة يشوفني وياما داخل المسجد مش متوضي حتى يعني بالمشرمحي شوفني يابا بصلي.. وهسا يجي عبالي هاد الحديث وبهيك سياق.. المهم اتطلعت عالشب وقلتله كل اشي، الصدق، عشان ينجيني زي الحديث، هاي يمكن كانت أول مرة بكون فيها صادق بشكل كامل من شهور، كان فيني دودة ما تخليني أحكي الصدق ما بعرف شو دينها يا زلمة.. المهم اتطلع علي الشب هيك وقلي إنه فش داعي للشريط، لأنه بيعرفها وبيعرف مين هي وبنت مين كمان.. هو قال هيك وأنا الدنيا كلها انحطت فإيدَي. سألته مباشرة مين ووين وأسئلة كثير غيرهم.. وقتها اجا زبون قطع حديثنا.. وقعدت أفكر لحتى راح الزبون.. وقبل ما يقول الشب أي كلمة، قلتله اسمع علي، يعلم الله إني بديش ألعب بالبنت ولا أشتغل شغل الشباب الصايعين، صدقني غير أجي البيت من بابه الله بيشهد علي.. بعرفش ليش قلتله هيك بس حسيت إنه لازم أوضحله لأنه هيئتي أبدا بتساعدش.. وهو كمان كان ملتحي شوي فما كنت متوقع منه يكون سهل يعني.. ضليت نص ساعة أقنعه ولا قدرت أطلع منه بإشي مفيد، الشغلة الوحيدة إنه عيلة البنت جداد بالحي، جيته بكل الطرق الممكنة عشان يقولي حرف واحد زيادة وفش فايدة.. وبنص حكينا أسمع صوت من وحدة وراي بتحكي مع أخوها الصغير بتقوله “عدي اتفقنا معك نص دينار بس تشتري فيه رجع الكيندر يلا”.. طليت وراي وشفتها بوجهي.

يتبع..

One Reply to “”

أضف تعليق