من رسائل الفتى سُفيان إلى مريمة | الثالثة


وأنتِ تعلمين، لم تعد الأمورُ كما كانت.. اليوم لا يشبه البارحة، والغد الذي لم أكن آبه له، قد صار مشكاةً يجتمع فيها نور أيامي القادمة..

في البدء كنتِ قصةً بعيدة، وكان الليل، ومِصباحُ الزيت، وكانت فناجين القهوة، وكنتُ أنا، وغيمةٌ يتيمةٌ في السماء.. لم أكن أعرفُ كيف أحكيك، وقد سِرتُ في طريق الأيام سير الحكّائين، لا مرة، ولا مرتين، ولكن دهرًا.. ودَرجتُ في دروبهم حتى عرفتها، وأَنِستُ لها، وبنيت لي فيها من الخيالاتِ ما لم يكن يفارقني.. ثم كنتِ أنتِ.. وبدأت أغازل بطيفكِ هذا الفراغ.. لِأن سماءَ أيامي مُظلمة، ونجم لياليكِ ساطع.. ولأنكِ السؤال الذي بدأ يلحقُ بكل الأجوبةِ التي ظننتُ أنني باقٍ عليها..

أتيتِ من غير ميعاد، فكان يجب علي أن أعيش مستعدا بعدها. ووعدتِني بكل ما لم تعدني به الكتبُ ورفاقُ الطريق، فكان يجب عليّ أن أظل حالمًا للأبد.. وعلامَ نخاف من الحلم؟ إذا كان لابد علينا من أن نخاف من أمر ما فلنخف من أن لا نحلم.. وأيّ معنىً لكل هذا العبث من غير حكاية نَعِدُ بها أيامنا الآتية؟.. إنني يا عزيزتي في حاجة ماسّة لأن أُزاحمَ السواد الذي يملأ هذا العالم بجمالِ عينيك، وعلى ذِكرهما، فلماذا لا تُشرقُ الشمس من عينيك؟ 

وأنتِ تعلمين، مضى عامٌ كامل، ما فتأ طيفُكِ يلاحقني فيه أينما حللت.. إنني أراك عندما تمرّ في السماء غيمة، أذكرك في كل التفاصيل، بين صفحات الكتب، في كوب القهوة، عندما يُرفع الأذان، وحينما أتأمل مشهد الغروب كل مساء.. وكان من كتر حلاوة الأيام أنني صالحتها جميعها بك، ووهبت للقادم منها ما لم أهب لما مضى.. وعلامَ تتفاجئين؟ أيتها المستغنى عن الثمل، والثمل بك.. تمهلي.. لا تعذلي كل هذا الشوق.. واسمعي مني الحكاية إلى أن تَتِم.. لقد كان من بلاهة هذه الأيام أنها أَبَت أن تحلو إلا بكلمة منك.. فلنكتب.. منذ متى لم نكتب رسالة؟

وأنتِ تعلمين، أشعر بعيناي تفضحانني في حضرتك.. أحاول بكل ما أوتيت من تؤدة أن لا يهرب ما في صدري إلى عيناي فتعرفينه.. وأعرف أنني أفشل في كثير من الأحيان.. وعلى أن الأمر كان يزعجني بادئ الأمر، إلا أنني متصالح معه الآن، والحق أنني راض عنه، بل أريده.. فلتعرفي إذا، ولتدركي بكل ما أوتيتِ من يقينٍ أنكِ الفتاةُ التي تطلق من عينيها نوعًا غريبًا من السحر لتُربك به قلبي في كل لقاء ومع كل كلمة تنطقُ بها.. 

ماذا أقول لك في هذا العام؟ فليكن لك من السنين رقتها، ومن الأيام حلاوتها وطيبها..

أضف تعليق